عندما تغيب المؤسسات الإطار الضائع من خلال كتاب الحسام
- سميرة احمد
- Jun 6, 2014
- 2 min read
يقدم كتيب "الحسام المشهور في الذب عن سيرة الإمام المنصور" تأليف المجتهد المطلق "محمد بن إبراهيم الوزير" المتوفى عام 840/1436 فصلا في الفقه السياسي ممتعا؛ فهو يناقش من خلاله بعض الشروط الخاصة باستحقاق الخلافة من زاوية تخالف ما تعارف عليه جمهور الهادوية. وأهم هذه الشروط التي ناقشها وأبطلها هي إشتراط الاجتهاد في انتخاب الإمام. وهو شرط يكاد يبلغ عند جمهور الهادوية المرتبة الأولى فالتصدي له لايقدم عليه إلا من أوتي بسطة في العلم والعقل. وبالرغم من أن الكثيرين قد يُجَابهون بمخالفته لما اعتادوا عليه من ناحية، ولمكانة الاجتهاد عند الزيدية من ناحية أخرى، إلا أن ما عرضه من حجج تستحق الاهتمام والدراسة والتوقف عندها، لامن أجل أهميتها وصوابها أوخطأها وأنما من أجل أن تلك الشروط الرفيعة التي وضعتها الهادوية لاستحقاق الخلافة -مهما اختلف الناس حول بعضها- بقيت غير ذات تاثير بسبب عدم تأطرها في مؤسسة مرجعية حاكمة. وهذا ما سنركز عليه في تقديم هذا الكتيب الذي يحظى على الرغم من صغر حجمه بأهمية قصوى لأنه لا يعالج قضية تخالف ما يذهب إليه جمهور الهادوية فحسب، وإنما لأنه يصدر من علامة مجتهد مطلق.
ومن الشروط السياسية التي سنطرحها في هذا البحث شرط الأنهضية أو ما يسميه المؤلف النهضة التي يعبارها حقا معلوم في الخلافة، ولا اعتبر الاجهتاد كذلك حقا ثابتا، وإنما دعا إلى الأعدل والأتقى، وإن كان عالما مقلدا. و كان يرى أن من موانع استحقاق الخلافة أن يكون المرء ضعيفا، لأن طبيعة الضعيف لا تتحمل المسئوليات الكبار، ولا تقدر على إنجازها، ومن ثم ذهب إلى تحريم تولي الضعيف الخلافة وإن كان برا تقيا. من هنا أدخلنا في بحثنا هذا شرط الأنهض من حيث أن المؤلف طرح النهضة كشؤط لصلاج البيعة وطرح الضعف كمانع من الخلافة فكان الأنهض -الذي يناقض الضعف- يعني بلغة معاصرة الكفائة الإدارية. ونستخلص من ذلك أنه يضع شرطا جديدا إلى جانب العادل والتقي هو الأنهض- وإن لم يسم هذه الكلمة- وليس الضعيف. ونحن نعرف أن حظ شرط الاجتهاد أوفر من الأنهض عند الأكثرية من الهادوية، وأن هذا الشرط الاجتهادي ما يزال يعتبر أهم من شرط الأنهض حتى اليوم، حتى لو كان المرشح غير كفؤ في الإدارة والتدبير. فمن هنا رأينا أن نناقش مصطلح الأنهض تعبيرا معاكسا لما شرطه من استبعاد الضعيف، خاصة وأن الأنهضية هذه قد لعبت دورا في الوقائع التي دعت إلى تأليف هذا الكتيب.
والكتيب في الحقيقة ليس ذبا عن سيرة المنصور العامة، ولا عن مجريات أموره، كما يوحي إسمه، ولا دفاعا عن أخطأ وقعت منه، أو حتى من قادته وولاته، وإنما هو دفاع عن استحقاقه للخلافة لنيله في البداية علما نافعا، وأنه كان الأنهض، ثم أصبح مجتهدا أيضا. ذلك أن خصوم المنصور اعتبروا عدم اجتهاده سببا لعدم صحة بيعته لأن الاجتهاد عندهم يُقدم على الأنهض، وساقهم هذا الاعتقاد إلى أن بيعة المنصور "علي بن صلاح الدين" غير صحيحة لأنه بنظرهم لم يحز درجة الإجتهاد، بينما كان المرشح الآخر "أحمد بن يحيى المرتضى"-الذي سيلقب بالمهدي- مجتهدا كبيرا، وكان هو الأعلم، وكان هو المجتهد، ومن ثم استجازوا الخروج على المنصور ومحاربته ضاربين بكفاءة المنصور الإدرية- التي كان يعبر عنها بالأنهضية- عرض الحائط. فجاء هذا الكتيب فذب عن قضية الأنهض لا من أجل قضية المنصور فقد ربحها مرتين، وإنما من أجل المبدأ نفسه، لأن الكفائة الإدارية- الأنهضية - مع التقوى والعدل هي ما تتطلبه المصلحة العامة كما يعتقد.

Comments